مقالات

العائدون !!!! 

 

 

كتبت د ليلي الهمامي

 أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن

 

لدينا مشكل منطق ومشكل ذوق. مشكل منطق بالنسبة لمن انشغل بالسياسة، لكنه فقد عقله في الأثناء… وكثيرون هم من فقدوا مداركهم العقلية وهم يمارسون السياسة… هذا غير بعيد عن العائدين…

العائدون للساحة بعد أن مارسوا الحكم في مستويات مختلفة ومتعددة، أحدهم كان الرئيس المؤقت لتونس… يبدو أن في الحكم شيء شبيه بالافيون، ومن يتعاطاه يدمن على تعاطيه.

ذاق الرجل بروتوكول الحكم والقصر ب 7000 صوت تقريبا.

جاءت به رياح الربيع العربي وموجة الاسلام السياسي الى ضفاف المتوسط جهة قرطاج… فأصيب الرجل بما يشبه الصدمة… فلم تكن تلك المصادفه بحالة من السعادة العابرة، والرجل يبدو انه تحول الى مدمن حكم…

في كل مرور بتجربة الحكم، أي حكم، هنالك تقييم… يصعب علي ان اقيم مرورا لم تحتفظ فيه الذاكرة الا باستقبال شيوخ السلفية،،، السلفية بكل اشكالها، وبكل أنماطها، وبكل تخريجاتها: جهادية، على فتاوي، على من امتهن منهم الفتوى في ختان الفتيات والنساء وما شابه ذلك…

ازدهر الارهاب في عهدته، حتى وان لم تكن عهدة أصلا، وانما هي ملحق بعهدة الاسلام السياسي، وهو ملحق بالاسلام السياسي، منذ أن عارض الرئيس الراحل زين العابدين بن علي…

لكن في هذا الحضور القريب من الفكاهة السياسية، ازدهر الارهاب، وسُلِّم البغدادي المحمودي الوزير الاول لمعمر القذافي… وأقام هذا الشخص احتفالا هيستيريّا في الشوارع باغتيال معمر القذافي بطريقة شنيعة لا انسانية وبربرية،،، علما وان الرجل وضع لنفسه لقب الحقوقي المدافع عن الديمقراطية وحقوق الانسان…

الرجل حقوقي وهو زعيم الرابطة مطلع التسعينات؛ الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان… ومع ذلك يكيل بمكيالين، في علاقة بمسألة حقوق الانسان… فبالنسبة له، طبيعي جدا ان يحتفل باغتيال شنيع لمعمر القذافي، بالاغتيال الوحشي الذي مارسته الميليشيات…

أما الحق في محاكمة عادلة، الحق في الدفاع، الحق في عدالة انسانية ما… كل هذا بالنسبة له تراهات… كل هذه اكاذيب، كل هذه منمقات لما يحلله هذا السيد لنفسه.

بكل تاكيد الرجل غادر… وهو اليوم في المنفى، لكن هذا المنفى، بالطبع، مدعوم من تركيا،مدعوم من قطر،مدعوم من المغرب…

ذاك الذي يعتبر نفسه سليل مناضل وطني، والكل يعلم ان النزاع بين بورقيبة وصالح بن يوسف، بين زعماء الحركة الوطنية انتهى الى هزيمة التيار اليوسفي، والى هجرة جل أنصار اليوسفية ولجوئهم الى الجزائر.

الغريب ان السيد المرزوقي يتحفنا بتوضيح تاريخي مذهل؛ ان والده كان في المغرب، وأنه هاجر من تونس الى المغرب، وهو “اليوسفي المقدام المعارض لبورقيبة”… غريب أننا نعلم ان كل من غادر نحو المغرب، إما أن يكون سليل العائلة الحسينة، وهي العائله الملكية الحاكمة في تونس الى حدود خلع لمين باي من طرف المجلس الوطني التاسيسي،،، او ان يكون تعاون مع الاستعمار الفرنسي، وأن هنالك اعتبارات انسانية جعلت السلطة في المغرب تحمي هذا الصنف من الذين فضّلوا عدم الانخراط في الحركة الوطنية التونسية وفي المقاومة.

مهما يكن من أمر، هذه اعتراضات وهذه استفسارات أنشرها للتاريخ،،، وهذه احترازات مشروعة وطبيعية.

لكن أود أن أقول أيضا بأن، -وهذا الامر لا يخص شخصا دون اخر-، بأن الادمان على السلطة، أن الادمان على ممارسة الحكم، أن الذهاب الى القول ب”أننا نحن فقط من في امكانهم الحكم” والقول بأن “الوطنية تدفعنا الى أن نحكمكم”… هذه الفكرة المرضية، وهذا النموذج من التفكير مقرف.

لا يقول هؤلاء: “مكنونا من فرصة الحكم” أو “جربونا”… لا !!! … بل هؤلاء يقولون: “نحن حكمناكم وفشلنا، ومع ذلك نعود لحكمكم، لأن مقياس الوطنية أن نكون نحن في الحكم، وأن تكونوا أنتم محكومٌ فيكم”…….

هذه الصورة الغريبة أرفضها!!! هذه الصورة مقرفة، مقززة، ولا يمكن ان تقنع ولو طفلا…

الوطنية هي أن تخدم بلدك وأن تقدم الجهد والفكر والفعل والعناية لبلدك، مهما كان الموقع!!!!

كل من يقول: “أنا لن انجح الا في الحكم”، فهو كاذب بأي شكل من الاشكا،ل وفي اي ظرف من الظروف… لا يمكن ان نقبل بأن يقول هكذا أو أن يقول هكذا هذا الشكل من من التفكير.

لست أتحامل على احد، لكن اعتقد من الضروري ان ننقد، وان نصوّب، وان ننبّه الى مثل هذه المواقف، ومثل هذه الطروحات… أن من يصمت خلال حكمه على سنوات الدم، على الارهاب، على الاغتيالات، هو بكل الاشكال وبكل المعاني مذنب ومتواطيء .

نحن لم نفقد الذاكرة… لم نفقد الذاكرة!!!!

نحن ذاكرة هذا الوطن… وسنبقى في شكل ذلك الضمير المتيقّظ الذي ينبّه لمخاطر تسرّب الافّاقين، وتسرب الدّجالين، وتسرب المتحيلين الى قياده هذا الوطن.

د. ليلى الهمامي.

زر الذهاب إلى الأعلى